لقد ضل النَّاس في القدر عَلَى فرقتين الجبرية والقدرية، فالقدرية ابتدأ أصلهم منغيلان الدمشقي ومعبد الجهني وهَؤُلاءِ كانوا في أواخر عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- في زمن التابعين، وأظهرا بدعة إنكار القدر ولهذا لما ظهر معبد الجهني وأنكر القدر بالبصرة جَاءَ التابعي من البصرة فحدثه ابن عمر بالحديث عن أبيه عُمَر بما رآه من مجيء جبريل إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالكلام في القدر حدث من أيام التابعين، من معبد الجهني بالبصرة ومن غيلان الدمشقي بالشام، والجبر حدث بعد ذلك من الجهم بن صفوان المتوفي سنة 128هـ.

ثُمَّ تطور كلٌ من المنهجين من مجرد فكرة بسيطة -ومجرد إنكار للقدر أو إثبات له- كما تتطور الأفكار عادة فتدخل فيها الحوارات والنقاشات والآراء ثُمَّ تتطور وتتسع دائرتها حتى تصبح ألغازاً وهذا ما وقع في باب القدر.

فأصبح المعتزلة الذين ابتدأ أصلهم منواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد الذين كانوا في مجلس الحسن البصري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كانوا قدرية، وهم أنفسهم المعتزلة تعددت مآربهم ومشاربهم في أبحاث فرعية فرعوها عن باب إنكار القدر، وقد انقرض مسمى الجهمية ولكن ورث الجهم في مسألة الجبر أبو الحسن الأشعري الذي جَاءَ بنظرية الكسب وطلابه إِلَى الآن عَلَى ذلك، وهم أنفسهم عاجزون عن إيضاح هذه النظرية، ولهذا قال فيهم الشاعر:

مما يُقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو إِلَى الأفهام

الكسب عند الأشعري والحال عند البهـ شمي وطفرة النظام

هذه ثلاثة أشياء عجزت العقول عن معرفتها، وعجز أصحابها عن شرحها وإيضاحها للناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015