ثانياً: حتى لا ينكر عليه العامة، إذ لو أنكروا عليه العامة في أول الطريق لهرب منهم، ولم يمشِ في الطريق، ففي أول الطريق يعمل بالأحكام الظاهرة، التي هي الشريعة الظاهرة من إقامة الصلاة ونحو ذلك كما يعمل النَّاس وهذا هو توحيد العامة عندهم، ولكنه يترقى بالأفكار التي يعطونه وكل طريقة تعطيه كما تشاء، حتى يصبح من أهل الحقيقة فإذا أصبح من أهل الحقيقة فإن التكاليف تتحول عنده من تكاليف صلاة وصيام ونحو ذلك، إِلَى أذكار وأوراد وعبادات يملونها هم عليه، ثُمَّ يترقى حتى يصبح من أهل الفناء ومن أهل الشهود، وهَؤُلاءِ هم أهل وحدة الوجود -والعياذ بالله- فيرى نفسه أنه هو الخالق والمخلوق عياذاً بالله فلا يبقى هناك ذاتان منفصلتان، وإنما ذات واحدة، وهذا من أعظم أنواع الكفر، وأبو حامد الغزالي -غفر الله له- قد رجع عن هذا في آخر حياته، وندم عَلَى ما فرط منه، لكن نقول: إن أبا حامد عندما ذكر هذه الأشياء ذكرها كمصدر من مصادر الحقيقة ومصادر المعرفة، ولم يكن مستيقناً من لوازم هذا القول وما ينبني عليه، لأنه يقول كما ذكر في الإحياء: كيف يترقى الإِنسَان لينتقل من كونه من أصحاب توحيد العامة [من أصحاب الشريعة] إِلَى أن يكون من أصحاب الحقيقة، يقول: إما أن يذهب إِلَى جبل أو إِلَى مغارة يختبئ فيها ويذكر الله حتى يأتيه الكشف، فإن لم يستطع فليأخذ كساء أسوداً غليظاً ويلفه عَلَى رأسه، وبهذا يكون قد اختلى ويظل يردد ويقول: الله الله الله وغيرها من الأذكار حتى يأتي الكشف، فمثل هذا الكلام من الإمام أبي حامد الغزالي والهروي شيء غريب جداً لكن نحسن الظن بهم لأنهم لم يكونوا يدركون ماذا سيترتب عَلَى هذا الكلام، فإنه كَانَ سبباً لأن يأتي بعدهم الملاحدة الذين كشفوا القناع وصرحوا بذلك، وقد كَانَ قبلهم من صرح بذلك، ولكن أكثر المتأخرين يعتمدون عَلَى كتاب الهروي منازل السائرين الذي شرحه ابن القيم في كتابه مدارج السالكين، وكتاب أبي