ثانياً: أن المرتبة الرابعة من مراتب الشهادة: فيها الأمر والإلزام وهو متعلق بالجمل الإنشائية، والآية هي جملة خبرية، فهذا إشكال، وحله أن لفظ: "الحكم والقضاء" يأتي في الجمل الخبرية، فإذا أخبرنا إنسان بشيء فكأنه أنشأ فحكم ودليله من القرآن: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:151-154] هم قالوا: ولد الله، ولم يأمروا ويلزموا فهذا خبر والله تَعَالَى يقول: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَفهذا الكلام منهم حكم، مثلما قال عن قول الملائكة: إنه شهادة: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ [الزخرف:19] فكما أن الله سمى اتخاذهم للولد حكماً، لكنه حكم لا إلزام معه، فإن حكم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بأنه لا إله غيره وشهادته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تتضمن الإلزام والأمر، فتأتي الجمل الخبرية في موضع الجمل الانشائية، كما تأتي الجمل الإنشائية في موضع الجمل الخبرية، وكل ذلك بحسب دلالة المعنى، كما يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ [إبراهيم:10] فهذا استفهام لكن معناه نفي -أي: ليس في الله شك- وهذا كله مفصل في علم البلاغة.
فهذه الشهادة فيها إقامة الحجة عَلَى العباد حينما يعلمون أنه أعلمهم بذلك، وشهد أن لا إله إلا هو بآياته الكونية وآياته النفسية، وبما أنزل من الآيات القرآنية، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد بين هذه الشهادة -شهادة أن لا إله إلا هو- بطرق ثلاث هي السمع والبصر والعقل.
طرق بيان الله لها
قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: