وقلنا: وإن كَانَ مجرد الشهادة لا يستلزمه؛ لأنه إذا شهد إنسان بشيء فشهادته في الأصل لا تستلزم أمراً ولا نهياً ولذا يقول المصنف: لكن الشهادة في موضع التوحيد لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تستلزم وتتضمن ذلك، -أي: المرتبة الرابعة والأخيرة- فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شهد شهادة من حكم وأمر وقضى به، ولذلك جاءت الآيات في القُرْآن دالة عَلَى الأمر والقضاء بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو ما يقتضي أن شهادة الله عندما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: َشهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18] تتضمن أمر الله بأنه لا يكون هناك إله إلا هو، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [الإسراء:22،39] (َلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر [القصص:88] إِلَى غير ذلك.
فالمرتبة الرابعة من مراتب الشهادة: هي أمر الله وقضاؤه وحكمه بأن يفرد ويوحد بالعبادة -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- دون من سواه، كما دلت الآيات الأخرى التي ورد فيها القضاء والأمر، وورد فيها النهي.
فمجرد الشهادة في ذاتها لا تتضمن الأمر؛ لكن هذه الشهادة - خاصة- أنه "لا إله إلا الله" تستلزم الأمر، ووجه استلزامها ذلك أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شهد أنه يعلم أنهم ما يدعون من دونه من شيء، فهو يعلم أنه هو الله الإله الواحد ثُمَّ أخبر به كما في الآية، ويتضمن ذلك أن إلهية ما سوى الله باطلة إذ كَانَ هو الإله المعبود بحق.
ويضرب المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ لذلك مثالاً فَيَقُولُ: لو جئت إِلَى إنسان قد ذهب إِلَى طبيب ما، فقلت له: ليس هذا بطبيب، الطبيب فلان، فأنت الآن لم تأمر باللفظ ولم تنه ولكن دلالة ذلك أنك تقول: دع هذا الإِنسَان واذهب إِلَى الطبيب الذي هو فلان.