وكذلك شهادة الرب -عَزَّ وَجَلَّ- وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارة وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه. وأما بيانه وإعلامه بفعله فكما قال ابن كيسان: شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه: "أنه لا إله إلا هو" وقال آخر:

وفي كل شيء له آية

تدل عَلَى أنه واحد

ومما يدل عَلَى أن الشهادة تكون بالفعل، قوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:17] فهذه شهادة منهم عَلَى أنفسهم بما يفعلونه، والمقصود أنه -سبحانه- يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودلالتها إنما هي بخلقه وجعله] اهـ.

الشرح:

لما أراد المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- أن يستشهد عَلَى أن الله قد بين أنواع التوحيد، وأن القُرْآن كله توحيد، جَاءَ بآية الشهادة وهي من أعظم الدلائل عَلَى الأصل الكلي: أن القُرْآن هو الدعوى وهو الشاهد، وهو أيضاً الحكم وهذه الثلاث من خصائص القُرْآن.

فالقرآن تضمن الدعوى والبرهان القاطع عَلَى أنه من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكل من أراد أن يتأمل حقيقة الدعوى، عليه أن يتأمل القُرْآن فإن الدعوى هي نفسها البرهان.

هذه الآية هي حقاً من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ففيها الدعوى وفيها البرهان معاً قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] ثُمَّ قَالَ: (ِإنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19] هذه الشهادة شهادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنفسه، فما بالكم بأمر يكون الشاهد فيه هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والمشهود له هو الله سبحانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015