فكما نفرد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة وبالطاعة وبالتقرب معاً، فكذلك ندعو إِلَى توحيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالطاعة والاتباع، فلا يحاكم إِلَى غير شرعه، ولا تتبع غير شرعته، ولذلك جاءت الآيات بنفي الإيمان عمن تحاكم إِلَى غير شرع الله فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: اَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه [النساء:60] فدلت هذه الآية عَلَى أنه لا يتحاكم إلا لشرع الله وحده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا يتحاكم إِلَى أي قانون بشري أو نظام وضعي أبداً فإن هذا من الشرك بالله، مثَلُه في ذلك مثل من يعبد غير الله عند قبر فيدعوه أو يتوسل بصاحبه، فالشرك في هذا كالشرك في هذا.
فيجب أن ندعو إِلَى التوحيد بشموله، وكماله الذي يجتث هذه الأمراض والأخطاء والجزئيات الكثيرة، التي لو ذهبنا نعالجها لتفانت الأعمار ولم تعالج، لكن إذا عولج الأصل وهو أن يدعى إِلَى الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ، وأن يوضح الإيمان بالله، وتوحيد الله كاملاً، فسنجد أن المسلم الذي يعبد الله وحده تتكامل شخصيته بتكامل حقيقة التوحيد في قلبه.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وكذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد، وشهدت له به ملائكته وأنبياؤه ورسله قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلام [آل عمران:18، 19] فتضمنت هذه الآية الكريمة إثبات حقيقة التوحيد، والرد عَلَى جميع طوائف الضلال، فتضمنت أجلَّ شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها، من أجلَّ شاهد بأجلِّ مشهود به.