وفي سورة المائدة: (َما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَام) [المائدة:103] وفي سورة الأنعام تفصيل أكثر: بأنهم حرموا ما رزقهم الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- واستحلوا المحرمات مثل قتل الأنبياء، وحرموا بعض الأنواع من الأنعام التي لا مجال الآن لتفصيلها، فرد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليهم بقوله -مثلا في الأنعام-: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ [الأنعام:143] بمعنى: إما أن يكون التحريم لجنس الأنثى فتحرم كل أنثى، وإما أن يكون التحريم لجنس الذكور فيحرم كل ذكر، وإما أن يكون التحريم لما حمل البطن فيحرم ما حمل البطن جميعاً لكنهم خصصوا.
وهذا من أعظم الأدلة عَلَى تحريم البدع في دين الله عَزَّ وَجَلَّ، مثال ذلك: لك أن تتصدق بما شئت وتقول هذه الشاة لله تعالى، وهذا المبلغ لله؛ لكن أن تخصص وقتاً معيناً ومبلغاً معيناً لكيفية معينة وتتحرى زمناً معيناً فيها فهذا التخصيص يجعل القضية تخرج من السنة إِلَى البدعة، وإلا لو بقي الأمر عَلَى إطلاقه لدخل في الأدلة العامة ولَمَا كَانَ هناك حرج.
فسورة الأنعام هي: سورة التوحيد الكبرى التي جَاءَ فيها تحريم اتخاذ غير الله رباً وولياً وحكماً، وهذه هي أصول التوحيد الثلاثة فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو وحده الرب الذي يعبد دون من سواه، وهو وحده الولي وهو وحده الحكم الذي يتحاكم إليه، وعلى هذه الثلاث القضايا تدور أكثر السورة بالإضافة إِلَى ما اشتملت عليه من توحيد الأسماء والصفات وتمجيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
القرآن كله في التوحيد
يقول المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: