قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، إِمَّا فَرْضًا أَوِ إِيجَابًا، عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، لِاحْتِيَاجِ الْعَبْدِ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الْقَدْرِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَشْرَفِ الْمَطَالِبِ وَأَجَلِّهَا, فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَةِ: 5 - 7] , وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ" 1, وَثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟! " 2.

قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: مَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى, فَلِهَذَا تَجِدُ أَكْثَرَ الْمُنْحَرِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ, فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، حَتَّى أَنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ يَقْرَءُونَ كُتُبَ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَسْتَحْسِنُونَ طَرِيقَتَهُمْ، وَكَذَا شُيُوخُ الْمُعْتَزِلَةِ يَمِيلُونَ إِلَى الْيَهُودِ وَيُرَجِّحُونَهُمْ عَلَى النَّصَارَى, وَأَكْثَرُ الْمُنْحَرِفِينَ مِنَ الْعُبَّادِ، مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَنَحْوِهِمْ, فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى، وَلِهَذَا يَمِيلُونَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, وَشُيُوخُ هَؤُلَاءِ يَذُمُّونَ الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ، وَشُيُوخُ أُولَئِكَ يَعِيبُونَ طَرِيقَةَ هَؤُلَاءِ وَيُصَنِّفُونَ فِي ذَمِّ السَّمَاعِ وَالْوَجْدِ وَكَثِيرٍ مِنَ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ الَّتِي أحدثها هؤلاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015