وخلافة الحسن سِتَّةَ أَشْهُرٍ, وَأَوَّلُ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ خَيْرُ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِمَامًا حَقًّا لَمَّا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخِلَافَةَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَظَهَرَ صِدْقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" 1. وَالْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ فِي مَوْضِعِهَا.
فَالْخِلَافَةُ ثَبَتَتْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمُبَايَعَةِ الصَّحَابَةِ، سِوَى مُعَاوِيَةَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ, وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قُتِلَ كَثُرَ الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَظُمَتِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَالَ، وَقَوِيَتِ الشَّهْوَةُ فِي نُفُوسِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ وَالْأَغْرَاضِ، مِمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ مِنْ أهل الشام، ويحمي الله عثمان، أن يظن بالأكابر ظنون سوء، ويبلغه عنهم أخبار2، مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّفٌ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ وَجْهُهُ، وَانْضَمَّ إلى ذلك أهواء أقوام يُحِبُّونَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ, وَكَانَ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -مِنْ أُولَئِكَ الطُّغَاةِ الْخَوَارِجِ، الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ- مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ تَنْتَصِرُ لَهُ قَبِيلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِمَا فَعَلَهُ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ نِفَاقٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِهِ كُلِّهِ، وَرَأَى طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْتَصَرْ لِلشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ، وَيُقْمَعْ أَهْلُ الْفَسَادِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِلَّا اسْتَوْجَبُوا غَضَبَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ, فَجَرَتْ فِتْنَةُ الْجَمَلِ عَلَى غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا أَثَارَهَا الْمُفْسِدُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّابِقِينَ، ثُمَّ جَرَتْ فِتْنَةُ صِفِّينَ لِرَأْيٍ، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمْ يُعْدَلْ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَا يُتَمَكَّنْ مِنَ الْعَدْلِ عَلَيْهِمْ, وَهُمْ كَافُّونَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمْ يَخَافُونَ طُغْيَانَ مَنْ فِي الْعَسْكَرِ، كَمَا طَغَوْا عَلَى الشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يكون الناس مجتمعين عليه، فاعتقد أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ الْوَاجِبَتَيْنِ عَلَيْهِمْ تَحْصُلُ بِقِتَالِهِمْ، بطلب الواجب عليهم، بما اعتقد