لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ بَاقٍ، فَصَارَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَعَادِ مِمَّا قَوَّى شُبْهَةَ الْمُتَفَلْسِفَةِ فِي إِنْكَارِ مَعَادِ الْأَبْدَانِ.
وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ: أَنَّ الْأَجْسَامَ تَنْقَلِبُ1 مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَتَسْتَحِيلُ تُرَابًا، ثُمَّ يُنْشِئُهَا اللَّهُ نَشْأَةً أُخْرَى، كَمَا اسْتَحَالَ فِي النَّشْأَةِ الْأُولَى: فَإِنَّهُ كَانَ نُطْفَةً، ثُمَّ صَارَ عَلَقَةً، ثُمَّ صَارَ مُضْغَةً، ثُمَّ صَارَ عِظَامًا وَلَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا سَوِيًّا. كَذَلِكَ الْإِعَادَةُ: يُعِيدُهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ يَبْلَى كُلُّهُ إِلَّا عَجْبَ2 الذَّنَبِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ ابْنُ آدَمَ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ" 3. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إن السماء4 تُمْطِرُ مَطَرًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، يَنْبُتُونَ فِي الْقُبُورِ كَمَا يَنْبُتُ النَّبَاتُ"5.
فَالنَّشْأَتَانِ نَوْعَانِ تَحْتَ جِنْسٍ6، يَتَّفِقَانِ وَيَتَمَاثَلَانِ مِنْ وَجْهٍ، وَيَفْتَرِقَانِ وَيَتَنَوَّعَانِ مِنْ وَجْهٍ, وَالْمُعَادُ هُوَ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ لَوَازِمِ الْإِعَادَةِ وَلَوَازِمِ الْبَدَاءَةِ فَرْقٌ، فَعَجْبُ الذَّنَبِ هُوَ الَّذِي يَبْقَى، وَأَمَّا سَائِرُهُ فَيَسْتَحِيلُ، فيعاد من المادة التي استحال