قلت: ومعنى ذلك أن التابعي، أو تابعه، أو تابع تابعه، أو تابعه، إذا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فهو حجة عندهم يثبت به الحكم الشرعي أي بالحديث المعضل, والمعلق ولو من رجل القرن الرابع! وهذا ضعيف باتفاق علماء الحديث، وغرضهم من ذلك أنه إذا أورد أحد أئمتهم حديثا ما ولو بدون إسناد إطلاقا، وكان في قرن من القرون الثلاثة من بعد الأول، ورده علماء الحديث بأنه لا أصل له، أو لا يعرف له إسناد، عارضوا ذلك بهذه القاعدة!

قلت: وهذا أمر خطير جدا إذ يتنافى مع ما هو مقرر عند العلماء: أن الإسناد مطلوب في الدين، وأنه من خصائص هذه الأمة الإسلامية، وعليه يقوم علم الحديث والرواية، ولذلك قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال الشافعي رحمه الله: مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل. والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا، وقد ساق الكثير الطيب منها أبو الحسنات اللكنوي رحمه الله في كتابه "الأجوبة الفاضلة" ثم عقب عليها بقوله:

"فهذه العبارات بصراحتها أو بإشارتها تدل على أنه لا بد من الإسناد في كل أمر من أمور الدين، سواء كان ذلك من قبيل الأخبار النبوية أو الأحكام الشرعية أو المناقب والفضائل، فشيء من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد، ما لم يتأكد بالإسناد، لا سيما بعد القرون المشهود لهم بالخيرية", ثم ذكر الوضاعين وأنواعهم ثم قال "ص29":

"ومن هنا نصوا: أنه لا عبرة بالأحاديث المنقولة في الكتب المبسوطة ما لم يظهر سندها، أو يعلم اعتماد أرباب الحديث عليها، وإن كان مصنفها فقيها جليلا ... " إلخ كلامه. فراجعه فإنه مهم جدا.

قلت: وإذا عرفت هذا، وأن الإسناد لا بد منه حتى في القرون الثلاثة فضلا عن الرابع وما دونه، وتذكرت أن أكثر كتب الحديث المعتمدة مؤلفوها في قرن من هذه القرون كمسند الطيالسي وأحمد وأبي يعلى وغيرهم، وأصحاب الكتب الستة وغيرهم، ومثل معاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، فعلى هذه القاعدة الباطلة إذا قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015