عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ1: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لِي إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْجَنَّةُ"، فَلَمَّا وَلَّى، قال: "إلا الدين، سارني به جبرائيل آنِفًا" 2. وَمِنَ الْأَرْوَاحِ مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ [الَّذِي] قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ" 3 وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا فِي قَبْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهَا أَرْوَاحٌ فِي تَنُّورِ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي، وَأَرْوَاحٌ فِي نَهْرِ الدَّمِ تَسْبَحُ فِيهِ وَتُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، كُلُّ ذَلِكَ تَشْهَدُ لَهُ السُّنَّةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ, وَأَمَّا الْحَيَاةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الشَّهِيدُ وَامْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} , [فَهِيَ]: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ, كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ، جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلى قناديل من ذهب مظلة فِي ظِلِّ الْعَرْشِ" 4، الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَبِمَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنَّهُمْ لَمَّا بَذَلُوا أَبْدَانَهَمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَتْلَفَهَا أَعْدَاؤُهُ فِيهِ، أَعَاضَهُمْ مِنْهَا فِي الْبَرْزَخِ أَبْدَانًا خَيْرًا مِنْهَا، تَكُونُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ تَنَعُّمُهَا بِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْأَبْدَانِ، أَكْمَلَ مِنْ تَنَعُّمِ الْأَرْوَاحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْهَا, وَلِهَذَا كَانَتْ نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ فِي صُورَةِ طَيْرٍ، أَوْ كَطَيْرٍ، وَنَسَمَةُ الشَّهِيدِ فِي جَوْفِ طَيْرٍ, وَتَأَمَّلْ لَفْظَ الْحَدِيثَيْنِ، فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه