مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، لَا يَصِلُ مِنْ هَذَا إِلَى جَارِهِ شَيْءٌ مِنْ حَرِّ نَارِهِ، وَلَا مِنْ هَذَا إِلَى جَارِهِ شَيْءٌ مِنْ نَعِيمِهِ, وَقُدْرَةُ اللَّهِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْجَبُ، وَلَكِنَّ النُّفُوسَ مُولَعَةٌ بِالتَّكْذِيبِ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ عِلْمًا, وَقَدْ أَرَانَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ, وَإِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْضَ عِبَادِهِ أَطْلَعَهُ وَغَيَّبَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ لَزَالَتْ حِكْمَةُ التَّكْلِيفِ وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَلَمَا تَدَافَنَ النَّاسُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَا أَسْمَعُ" 1. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ مُنْتَفِيَةً في حق البهائم سمعته وَأَدْرَكْتُهُ.

وَلِلنَّاسِ فِي سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ: هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الثَّالِثُ التَّوَقُّفُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا" 2, مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ تُسْأَلُ، وَعَلَى هَذَا اللَّفْظِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَدْ خُصَّتْ بِذَلِكَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُقْطَعُ بِهِ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ, وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي سُؤَالِ الْأَطْفَالِ أَيْضًا: وَهَلْ يَدُومُ عَذَابُ الْقَبْرِ أَوْ يَنْقَطِعُ؟ جَوَابُهُ أَنَّهُ نَوْعَانِ: مِنْهُ مَا هُوَ دَائِمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِرٍ: 46] , وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قِصَّةِ الْكَافِرِ: "ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَى مَقْعَدِهِ فِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" 3، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُدَّةٌ ثُمَّ يَنْقَطِعُ، وَهُوَ عَذَابُ بَعْضِ الْعُصَاةِ الَّذِينَ خَفَّتْ جَرَائِمُهُمْ، فَيُعَذَّبُ بِحَسَبِ جُرْمِهِ، ثُمَّ يُخَفَّفُ عَنْهُ، كَمَا تقدم ذكره [في] الممحصات العشرة.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مُسْتَقَرِّ الْأَرْوَاحِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: فَقِيلَ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ، وَقِيلَ: إن أرواح المؤمنين بفناء الجنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015