السِّقَاءِ وَأَنَّهَا تَصْعَدُ وَيُوجَدُ مِنْهَا [مِنَ الْمُؤْمِنِ] كَأَطْيَبِ رِيحٍ، وَمِنَ الْكَافِرِ كَأَنْتَنِ رِيحٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مِنَ الصِّفَاتِ, وَعَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَ السَّلَفُ وَدَلَّ الْعَقْلُ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ خَالَفَ سِوَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ، الَّتِي لَا يُعَارَضُ بِهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْوَحْيِ وَالْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي مُسَمَّى النَّفْسِ وَالرُّوحِ: هَلْ هَمَّا مُتَغَايِرَانِ، أَوْ مُسَمَّاهُمَا وَاحِدٌ؟ فَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى أُمُورٍ، وَكَذَلِكَ الرُّوحُ، فَيَتَّحِدُ مَدْلُولُهُمَا تَارَةً، وَيَخْتَلِفُ تَارَةً. فَالنَّفْسُ تُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ، وَلَكِنْ غَالِبُ مَا يُسَمَّى نَفْسًا إِذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ، وَأَمَّا إِذَا أُخِذَتْ مُجَرَّدَةً فَتَسْمِيَةُ الرُّوحِ أَغْلَبُ عَلَيْهَا. وَيُطْلَقُ عَلَى الدَّمِ، فَفِي الْحَدِيثِ: "مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إِذَا مَاتَ فِيهِ"1. وَالنَّفْسُ: الْعَيْنُ، يُقَالُ: أَصَابَتْ فُلَانًا نفس، أي عين. والنفس: الذات، {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النُّورِ: 61] {لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاءِ: 28]، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الرُّوحُ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْبَدَنِ، لَا بِانْفِرَادِهِ، وَلَا مَعَ النَّفْسِ, وتطلق الروح على القرآن، وعلى جبرائيل، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: 52]. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشُّعَرَاءِ: 193]. وَيُطْلَقُ الرُّوحُ عَلَى الْهَوَاءِ الْمُتَرَدِّدِ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ أَيْضًا, وَأَمَّا مَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ، فَهِيَ رُوحٌ أُخْرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [الْمُجَادَلَةِ: 22]. وَكَذَلِكَ الْقُوَى الَّتِي فِي الْبَدَنِ، فَإِنَّهَا أَيْضًا تُسَمَّى أَرْوَاحًا، فَيُقَالُ: الرُّوحُ الْبَاصِرُ، وَالرُّوحُ السَّامِعُ، والروح الشام2. ويطلق الرُّوحُ عَلَى أَخَصِّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَهُوَ: قُوَّةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ وَمَحَبَّتُهُ وَانْبِعَاثُ الهمة إلى طلبه وإرادته. ونسبة هذا الرُّوحِ إِلَى الرُّوحِ، كَنِسْبَةِ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ، فالعلم روح، والإحسان روح، والمحبة روح، والتوكل روح، والصدق روح، والناس متفاوتون في هذه الروح: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَرْوَاحُ فَيَصِيرُ رُوحَانِيًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْقِدُهَا أَوْ أَكْثَرَهَا فيصير أرضيا بهميا, وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أن لابن آدم