إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ، كَمَا ذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48 و116] وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ فِي النَّارِ بِعَدْلِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ, وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِي الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نَكَرَتِهِ، الَّذِينَ خَابُوا مِنْ هِدَايَتِهِ، وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وِلَايَتِهِ, اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ".
ش: فَقَوْلُهُ: وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّارِ لَا يُخَلَّدُونَ، إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ, رَدٌّ لِقَوْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ, لَكِنَّ الْخَوَارِجَ تَقُولُ بِتَكْفِيرِهِمْ، وَالْمُعْتَزِلَةُ بِخُرُوجِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ، لَا بِدُخُولِهِمْ فِي الْكُفْرِ، بَلْ لَهُمْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. تَخْصِيصُهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةٍ غَيْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نَسْخِ تِلْكَ الشَّرَائِعِ بِهِ، [حُكْمُهُمْ] مُخَالِفٌ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ, وَفِي ذَاكَ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ" 1. وَلَمْ يَخُصَّ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَ الْإِيمَانَ مُطْلَقًا، فَتَأَمَّلْهُ. وَلَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذِكْرُ الْأُمَّةِ. وَقَوْلُهُ: فِي النَّارِ. مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: لَا يُخَلَّدُونَ. وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ لِأَجْلِ السَّجْعَةِ، لَا أَنْ يَكُونَ [فِي النَّارِ] خبر لِقَوْلِهِ: وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَبَائِرِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: سبعة، وقيل: سبعة عشر. وَقِيلَ: مَا اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَقِيلَ: مَا يَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ. وَقِيلَ: ذَهَابُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ كَبَائِرَ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مَا دُونَهَا. وَقِيلَ: لَا تُعْلَمُ أَصْلًا. أَوْ أَنَّهَا أُخْفِيَتْ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ. وَقِيلَ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ أَوْ تُوُعِّدَ عَلَيْهَا بِالنَّارِ، أَوِ اللَّعْنَةِ، أَوِ الْغَضَبِ. وَهَذَا أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ, واختلفت عبارات