الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ, وَقَدْ قَرَأَ حَمْزَةُ: "مَا لَكُمْ مِنْ وِلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ" [الْأَنْفَالِ: 72] بكسرالواو، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا, وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ. وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ، وَبِالْكَسْرِ الْإِمَارَةُ, قَالَ الزَّجَّاجُ: وَجَازَ الْكَسْرُ، لِأَنَّ فِي تَوَلِّي [بَعْضِ] الْقَوْمِ بَعْضًا جِنْسًا مِنَ الصِّنَاعَةِ وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مَكْسُورٌ، مِثْلُ: الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا. فَالْمُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ]} [البقرة: 257]، الآية. وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 11]. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] الآية. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الْأَنْفَالِ: 72] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ, وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [الْمَائِدَةِ: 55, 56]. فَهَذِهِ النُّصُوصُ [كُلُّهَا] ثَبَتَ فِيهَا مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَلِيُّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ, فَاللَّهُ يَتَوَلَّى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ، وَمَنْ عَادَى لَهُ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ, وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَيْسَتْ كَوِلَايَةِ الْمَخْلُوقِ للمخلوق لحاجة إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 111]. فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، بَلْ لِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، خِلَافَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ1 لِذُلِّهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى وَلِيٍّ يَنْصُرُهُ.
وَالْوِلَايَةُ أَيْضًا نَظِيرُ الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ مُرَادُ الشَّيْخِ: أَنَّ أَهْلَهَا فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ، وَتَكُونُ كَامِلَةً وَنَاقِصَةً, فَالْكَامِلَةُ تَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى