دِينَكُمْ"1. فَجَعَلَ الدِّينَ هُوَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَالْإِحْسَانَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ دِينَنَا يَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ. لَكِنْ هُوَ دَرَجَاتٌ ثَلَاثَةٌ: فَمُسْلِمٌ، ثُمَّ مُؤْمِنٌ، ثُمَّ مُحْسِنٌ. وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ مَا ذُكِرَ مَعَ الْإِسْلَامِ قَطْعًا، كَمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ مَا ذُكِرَ مَعَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، لَا أَنَّ الْإِحْسَانَ يَكُونُ مُجَرَّدًا عَنِ الْإِيمَانِ. هَذَا مُحَالٌ. وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فَاطِرٍ: 32] , وَالْمُقْتَصِدُ وَالسَّابِقُ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلَا عُقُوبَةٍ، بِخِلَافِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْوَعِيدِ, وَهَكَذَا مَنْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الظَّاهِرِ مَعَ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، لَكِنْ لَمْ يَقُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْوَعِيدِ, فَأَمَّا الْإِحْسَانُ فَهُوَ أَعَمُّ من جهة نفسه وأخص من جهة أهله، وَالْإِيمَانُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَأَخَصُّ مِنَ جِهَةِ أَهْلِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ, فَالْإِحْسَانُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِيمَانُ، وَالْإِيمَانُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِسْلَامُ، وَالْمُحْسِنُونَ أَخَصُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ أَخَصُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَهَذَا كَالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَالنُّبُوَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الرِّسَالَةِ، وَالرِّسَالَةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهَا، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَا يَنْعَكِسُ.
وَقَدْ صَارَ النَّاسُ فِي مُسَمَّى الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَطَائِفَةٌ جَعَلَتِ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةَ، وَطَائِفَةٌ أَجَابُوا بِمَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، حَيْثُ فَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَالْإِيمَانَ [بِالْإِيمَانِ] بِالْأُصُولِ الْخَمْسَةِ2, وَطَائِفَةٌ جَعَلُوا الْإِسْلَامَ مُرَادِفًا لِلْإِيمَانِ، وَجَعَلُوا مَعْنَى قَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ" 3، الْحَدِيثَ: شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ قَالُوا الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ لشيء وَاحِدٌ، فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ هُوَ التَّصْدِيقَ! وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "اللهم لك