اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غَافِرٍ: 1 - 3]. مَا أَدْرِي أَيُّ ذَنْبَيْكَ أَعْظَمُ؟ اسْتِحْلَالُكَ الْمُحَرَّمَ أَوَّلًا؟ أَمْ يَأْسُكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ثَانِيًا؟ وَهَذَا الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: "وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ".
ش: وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَقِدَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 57]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 175]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41]. {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]. {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150]. وَمَدَحَ أَهْلَ الْخَوْفِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 57 - 58]. إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 61]. وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة} [الْمُؤْمِنُونَ: 60]، هو الَّذِي يَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُ؟ قَالَ: "لَا، يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ" 1. قَالَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَمِلُوا -وَاللَّهِ- بِالطَّاعَاتِ، وَاجْتَهَدُوا فِيهَا، وَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَخَشْيَةً، وَالْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا. انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 218] , فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ رَجَاءَهُمْ مَعَ إِيمَانِهِمْ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ؟ فَالرَّجَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا حكمة الله تعالى،