اسْتَوَى؟ فَقَالَ الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ, وَيُرْوَى هَذَا الْجَوَابُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ فوقه، [بحذف الواو] مِنْ قَوْلِهِ: فَوْقَهُ، وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَمَعْنَاهَا. أَنَّهُ، تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ فَوْقَ الْعَرْشِ. وَهَذِهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَسْقَطَهَا بَعْضُ النُّسَّاخِ سَهْوًا، ثُمَّ اسْتَنْسَخَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ تِلْكَ النُّسْخَةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَرِّفِينَ الضَّالِّينَ أَسْقَطَهَا قَصْدًا لِلْفَسَادِ، وإنكار لِصِفَةِ الْفَوْقِيَّةِ! وَإِلَّا فَقَدَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ من المخلوقات، فلا يبقى لقوله: محيط بمعنى: مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ: مَعْنًى! إِذْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ما يحيط بِهِ، فَتَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْوَاوِ, وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
أَمَّا كَوْنُهُ مُحِيطًا بِكُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [الْبُرُوجِ: 20]. {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [حم السجدة: 54]. {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النِّسَاءِ: 126]. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إِحَاطَتِهِ بِخَلْقِهِ أَنَّهُ كَالْفَلَكِ، وَأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ دَاخِلُ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذلك علوا كبيرا. وإنما المراد: إحاطة عظمته. وسعة علمه وقدرته1، وأنها بالنسبة إلى عظمته كخردلة. كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنه قال: ما السموات السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ -وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى- أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَرْدَلَةٌ، إِنْ شاء قبضها وأحاط قَبْضَتُهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا تَحْتَهُ، وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ مُبَايِنٌ لَهَا، عَالٍ عَلَيْهَا فَوْقَهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَكَيْفَ بِالْعَظِيمِ الَّذِي لَا يحيط بعظمته وصف واصف, فلو شاء