إِلَّا وُقُوعَهُ, وَهَؤُلَاءِ فَرَضُوا وُقُوعَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ! وَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ, وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: افْرِضْ وُقُوعَهُ مَعَ عَدَمِ وُقُوعِهِ]! وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كان وقوعه مع علم الرب [عدم] وُقُوعِهِ مُحَالًا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا؟ قِيلَ: لَفْظُ الْمُحَالِ مُجْمَلٌ، وَهَذَا لَيْسَ مُحَالًا لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ لَهُ وَلَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَلَا لِامْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ مُسْتَطَاعٌ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ كَانَ اللَّهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَيَقَعُ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ، فَإِذَا فُرِضَ وُقُوعُهُ مَعَ انْتِفَاءِ لَازِمِ الْوُقُوعِ صَارَ مُحَالًا مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ, وَكُلُّ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ هِيَ محال! مما يُلْزِمُ هَؤُلَاءِ: أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ، لَا الرَّبُّ، وَلَا الْخَلْقُ، فَإِنَّ الرَّبَّ إِذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ كَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَلِمِهِ ذَلِكَ انْتِفَاءُ قُدْرَتِهِ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ، فَكَذَلِكَ مَا قَدَّرَهُ مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: "وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ1 الْإِيمَانِ وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الْأَحْزَابِ: 38].
ش: الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَسَبْقِ عِلْمِهِ بِالْكَائِنَاتِ قَبْلَ خَلْقِهَا, قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِ السَّائِلِ عَنِ الْإِيمَانِ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" 2. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: "يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبرائيل، أتاكم يعلمكم دينكم". رواه مسلم.
وقوله: والإقرار بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، أَيْ لَا يَتِمُّ التَّوْحِيدُ والإقرار بِالرُّبُوبِيَّةِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِصِفَاتِهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَنْ زَعَمَ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَخْلُقُ فِعْلَهُ؟! وَلِهَذَا كَانَتِ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَحَادِيثُهُمْ في "السنن". وروى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "القدرية