فَهُوَ كَاذِبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُهُ نَبِيٌّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزُّمَرِ: 65]، وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا مِنَ الشِّرْكِ، لَكِنَّ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ لِبَيَانِ مَقَادِيرِ الْأَعْمَالِ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ؛ لِأَنَّا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ إِلَّا بِخَبَرِهِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ يُخْبِرُنَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَنَا هُوَ بِفَضَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ, وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا فَخْرَ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَهَلْ يَقُولُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: أَنَّ مَقَامَ الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ وَهُوَ مُقَرَّبٌ مُعَظَّمٌ مُكَرَّمٌ كَمَقَامِ الَّذِي أُلْقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَهُوَ مُلِيمٌ؟! وَأَيْنَ الْمُعَظَّمُ الْمُقَرَّبُ مِنَ الْمُمْتَحَنِ الْمُؤَدَّبِ؟! فَهَذَا فِي غَايَةِ التَّقْرِيبِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّأْدِيبِ. فَانْظُرْ إِلَى هذا الاستدلال؛ لأنه بهذا المعنى المحرف اللفظ لَمْ يَقُلْهُ الرَّسُولُ، وَهَلْ يُقَاوِمُ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِ الْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْقَطْعِيَّةَ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ، الَّتِي تَزِيدُ عَلَى أَلْفِ دَلِيلٍ، كَمَا يَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ "مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ"، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: "وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
ش: ثَبَتَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ، وَهِيَ الْخُلَّةُ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا" 1. وَقَالَ: "وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ" 2. وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ وَهُمَا يُبْطِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْمَحَبَّةُ لِمُحَمَّدٍ، فَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ حَبِيبُهُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: "إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ 3. وَالْمَحَبَّةُ قَدْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ. قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ