كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ, وَأَمَّا الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ.

وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ دَوَامَ الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ مَبْدَأٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا مُتَكَلِّمًا بمشيئة، بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةٌ! وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَهُوَ حَادِثٌ، وَالْحَادِثُ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، وَمَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَلَيْسَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَجَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَبْدَأٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا صَحِيحًا، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الرَّبُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لِأَوَّلِهَا.

قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: نَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِمْكَانَ الْحَوَادِثِ لَا بِدَايَةَ لَهُ، لَكِنْ نَقُولُ، إِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ لَا بِدَايَةَ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ عِنْدَنَا تَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ النَّوْعِ، [بَلْ] يَجِبُ حُدُوثُ نَوْعِهَا وَيَمْتَنِعُ قِدَمُ نَوْعِهَا، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحُدُوثُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، فَإِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ لَا أَوَّلَ لَهُ، بِخِلَافِ جِنْسِ الْحَوَادِثِ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: هَبْ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ، لَكِنْ يُقَالُ: إِمْكَانُ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَكُمْ لَهُ بِدَايَةٌ، فَإِنَّهُ صَارَ جِنْسُ الْحُدُوثِ عِنْدَكُمْ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، وَلَيْسَ لِهَذَا الْإِمْكَانِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ يُفْرَضُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنَ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْقِلَابَ حَقِيقَةِ جِنْسِ الْحُدُوثِ أَوْ جِنْسِ الْحَوَادِثِ، أَوْ جِنْسِ الْفِعْلِ، أَوْ جِنْسِ الْأَحْدَاثِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ العبارات من الامتناع إلى الإمكان، وهو مصير ذَلِكَ مُمْكِنًا جَائِزًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبِ تَجَدُّدٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَيْضًا انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنَ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ، فَإِنَّ ذَاتَ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ تَصِيرُ مُمْكِنَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً، وَهَذَا الِانْقِلَابُ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ هَذَا الِانْقِلَابُ مُمْكِنًا، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُمْتَنِعُ مُمْكِنًا! وَهَذَا أَبْلَغُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015