الَّذِي أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ سَيْفًا، فَهَذَا جَاهَدَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُطِيعِ نِعْمَةً دِينِيَّةً، خَصَّهُ بِهَا دُونَ الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ إِعَانَةً لَمْ يُعِنْ بِهَا الْكَافِرَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (?).
فَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا التَّحْبِيبَ وَالتَّزْيِينَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَإِظْهَارِ دَلَائِلِ الْحَقِّ. وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بالمؤمن، ولهذا قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}. وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا رَاشِدِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (?). وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، يُبَيِّنُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَدَى هَذَا وَأَضَلَّ هَذَا. قَالَ تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (?). وَسَيَأْتِي لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: يُرَجَّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ - إِنْ كَانَ لِقَوْلِهِ: "يُرَجَّحُ"مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْفِعْلِ، فَذَاكَ هُوَ السَّبَبُ الْمُرَجِّحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى زَائِدٌ كَانَ (?) حَالُ الْفَاعِلِ قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ كَحَالِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ، ثُمَّ الْفِعْلُ حَصَلَ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى بِلَا مُرَجِّحٍ! وَهَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ!! فَلَمَّا كَانَ أَصْلُ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ إِنَّ فَاعِلَ الطَّاعَاتِ وَتَارِكَهَا كِلَاهُمَا فِي الْإِعَانَةِ وَالْإِقْدَارِ سَوَاءٌ - امْتَنَعَ على أصلهم