وَمِنَ الْأَرْوَاحِ مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى بَابِ الْجَنَّة، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسًا عَلَى بَابِ الْجَنَّة» ..
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا في قَبْرِه.
وَمِنْهُمْ مَنْ [مَحْبُوسًا] (?) فِي الْأَرْضِ.
وَمِنْهَا أَرْوَاحٌ فِي تَنُّورِ الزُّنَاة وَالزَّوَانِي، وَأَرْوَاحٌ فِي نَهْرِ الدَّمِ تَسْبَحُ فِيهِ وَتُلْقَمُ الْحِجَارَة، كُلُّ ذَلِكَ تَشْهَدُ لَهُ السُّنَّةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْحَيَاة الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الشَّهِيدُ وَامْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (?)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (?) -[فَهِيَ]: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ. كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ - يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ - جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّة، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُظلَّلَة فِي ظِلِّ الْعَرْشِ»، الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَبِمَعْنَاه فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَإِنَّهُمْ لَمَّا بَذَلُوا أَبْدَانَهَمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَتْلَفَهَا أَعْدَاؤُه فِيهِ، أَعَاضَهُمْ مِنْهَا فِي الْبَرْزَخِ أَبْدَانًا خَيْرًا مِنْهَا، تَكُونُ فِيهَا إلى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَيَكُونُ نَعّيُمُهَا بِوَاسِطَة تِلْكَ الْأَبْدَانِ أَكْمَلَ مِنْ تَنَعُّمِ الْأَرْوَاحِ الْمُجَرَّدَة عَنْهَا.
وَلِهَذَا كَانَتْ نَسَمَة الْمُؤْمِنِ فِي صُورَة طَيْرٍ، أَوْ كَطَيْرٍ، وَنَسَمَة الشَّهِيدِ فِي جَوْفِ