أَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَاتَهُمْ، ثُمَّ يُحْيِيهِمْ يَوْمَ النُّشُورِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِمَاتَة أَرْوَاحِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة، وَإِلَّا كَانَتْ ثَلَاثَ مَوْتَاتٍ.
وَصَعْقُ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَوْتُهَا، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة إِذَا جَاءَ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِه، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْتٍ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ صَعْقُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مَوْتًا، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ نَفْخَة الصَّعْقِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَوْتُ كُلِّ مَنْ لَمْ يَذُقِ الْمَوْتَ قَبْلَهَا مِنَ الْخَلَائِقِ، وَأَمَّا مَنْ ذَاقَ الْمَوْتَ، أَوْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنَ الْحُورِ وَالْوِلْدَانِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَة ثَانِيَة. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا، وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي قَبْرِه عَنْ رَبِّه وَدِينِه وَنَبِيِّه، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ الصَّحَابَة رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ. وَالْقَبْرُ رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّة، أَوْ حُفْرَة مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ).
ش: قَالَ تَعَالَى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (?). وَقَالَ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (?). وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ عَذَابُهُمْ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ عَذَابُهُمْ فِي الْبَرْزَخِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَاتَ وَلَمْ يُعَذَّبْ فِي الدُّنْيَا، أَوِ الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كُنَّا في جِنَازَة في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ،