بِإِسْقَاطِه، مِنْ قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَرَدِّ الْأَمَانَاتِ وَالْغصُوبِ، وَالْإِنْصَافِ مِنَ الْمَظَالِمِ، مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَحُقُوقِ الزَّوْجَة وَالْأَوْلَادِ، وَصِلَة الْأَرْحَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى زَيْدٍ غَيْرُ الْوَاجِبِ عَلَى عَمْرٍو. بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاة، فَإِنَّ الزَّكَاة وَإِنْ كَانَتْ [حَقًّا] (?) مَالِيًّا فَإِنَّهَا وَاجِبَة لِلَّهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَة مَصَارِفُهَا، وَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّة، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا الْغَيْرُ عنه بِلَا إِذْنِه، وَلَمْ تُطْلَبْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّة، وَلَوْ أَدَّاهَا غَيْرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِه بَرِئَتْ ذِمَّتُه، وَيُطَالَبُ بِهَا الْكُفَّارُ. وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَالْكَفَّارَاتِ، هُوَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَة، وَلِهَذَا كَانَ التَّكْلِيفُ شَرْطًا فِي الزَّكَاة، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ أَبِي حنيفة وَأَصْحَابِه رَحِمَهُمُ الله تعالى، لما عُرِفَ فِي مَوْضِعِه.
وَقَوْلُهُ"وَالْقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه، وَحُلْوِه وَمُرِّه، مِنَ اللَّهِ تَعَالَى"- تَقَدَّمَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ في حَدِيثِ جبْرائيلَ: "وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه"، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (?). وَقَالَ تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (?)، الآية.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وجه الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: "كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"وَبَيْنَ قَوْلِهِ: "فَمِنْ نَفْسِكَ"؟، قِيلَ: قَوْلُهُ"كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ": الْخِصْبُ وَالْجَدْبُ، وَالنَّصْرُ وَالْهَزِيمَة، كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ"فَمِنْ نَفْسِكَ": أَيْ: مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة مِنَ اللَّهِ فَبِذَنْبِ نَفْسِكَ عُقُوبَة لَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ}