أَنَّهُ يُقَرِّرُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَجْعَلُ الْأَوَّلَ دَلِيلًا عَلَى الثَّانِي، إِذْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ في الْأَوَّلِ، وَيُنَازِعُونَ فِي الثَّانِي، فَيُبَيِّنُ لَهُمْ سُبْحَانَهُ أَنَّكُمْ إِذَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ وحده، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلِمَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَتَجْعَلُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا} {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (?) الْآيَاتِ.
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كُلِّ آيَةٍ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أَيْ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ فَعَلَ هَذَا؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، يَتَضَمَّنُ نَفْيَ ذَلِكَ، وَهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أنه اسْتِفْهَامٌ: هَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ؟ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ الْكَلَامِ، وَالْقَوْمُ كَانُوا يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ} (?)، وَكَانُوا يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (?)، لَكِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ إِلَهًا: {جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} (?)، بَلْ هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ فَعَلَ هَذَا، وَهَكَذَا سَائِرُ الْآيَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (?) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} (?). وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.