{عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (?)، الْآيَةَ. فَالرَّجَاءُ يَسْتَلْزِمُ الْخَوْفَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ أَمْنًا، وَالْخَوْفُ يَسْتَلْزِمُ الرَّجَاءَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ قُنُوطًا وَيَأْسًا. وَكُلُّ أَحَدٍ إِذَا خِفْتَهُ هَرَبْتَ مِنْهُ، إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنَّكَ إِذَا خِفْتَهُ هَرَبْتَ إِلَيْهِ، فَالْخَائِفُ هَارِبٌ مِنْ رَبِّهِ إِلَى رَبِّهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ مَنَازِلُ السَّائِرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرَّجَاءُ أَضْعَفُ مَنَازِلِ الْمُرِيدِ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، بَلِ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْمُرِيدِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ»، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ فِي مَرَضِهِ أَرْجَحَ مِنْ خَوْفِهِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَوْفُهُ أَرْجَحَ مِنْ رَجَائِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بالخوف وحده فهو [حروري] (?)، وروي: وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ فِي قَوْلِهِ:
لَوْ قَدْ رَأَيْتَ الصَّغِيرَ مِنْ عَمِلَ الْ ... خَيْرِ ثَوَابًا عَجِبْتَ مِنْ كِبَرِهْ.
أَوْ قَدْ رَأَيْتَ الْحَقِيرَ مِنْ عَمِلَ الشَّ ... رِّ جَزَاءً أَشْفَقْتَ مِنْ حَذَرِهْ.
ش: يُشِيرُ الشَّيْخُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِ بِخُرُوجِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ. وفيه تقرير لما قال أولا: "لا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ". وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.