يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ قَالَ: نَاظَرْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُدَّةً، حَتَّى اتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيُهُ: أَنَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَأَمَّا الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ، إِذَا قِيلَ: هَلْ تَشْهَدُونَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ وَأَنَّهُ كَافِرٌ؟ فَهَذَا لَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ إِلَّا بِأَمْرٍ تَجُوزُ مَعَهُ الشَّهَادَةُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْبَغْيِ أَنْ يُشْهَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ وَلَا يَرْحَمُهُ بَلْ يُخَلِّدُهُ فِي النَّارِ، فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْكَافِرِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ: "بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَغْيِ". وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانِ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ، فَيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ. فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لك، أو لا يدخلك [الله] الْجَنَّةَ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيَّ قَادِرًا؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذهبوا به إلى النار. وقال أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ)» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (?).
وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا مَغْفُورًا لَهُ، أَوْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِيمَانٌ عَظِيمٌ وَحَسَنَاتٌ أَوْجَبَتْ لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ، كَمَا غَفَرَ لِلَّذِي قَالَ: إِذَا مِتُّ فَاسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي، ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ لِخَشْيَتِهِ، وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِهِ وَإِعَادَتِهِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ. لَكِنَّ هَذَا التَّوَقُّفَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ لَا يَمْنَعُنَا أَنْ نُعَاقِبَهُ فِي الدُّنْيَا، لِمَنْعِ بِدْعَتِهِ، وَأَنْ نَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ.
ثُمَّ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا قِيلَ: إِنَّهُ كُفْرٌ، وَالْقَائِلُ لَهُ يكفر بشروط وانتفاء موانع، ولا