بِالرُّبُوبِيَّةِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِصِفَاتِهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَنْ زَعَمَ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَخْلُقُ فِعْلَهُ؟! وَلِهَذَا كَانَتِ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَحَادِيثُهُمْ فِي السُّنَنِ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» (?).
وروى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ، وَمَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا قَدَرَ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَلَا تَشْهَدُوا جَنَازَتَهُ، وَمَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِالدَّجَّالِ» (?).
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ» (?).
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ: الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ».
لَكِنَّ كُلَّ أَحَادِيثِ الْقَدَرِيَّةِ الْمَرْفُوعَةِ ضَعِيفَةٌ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَوْقُوفُ مِنْهَا: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "الْقَدَرُ نِظَامُ التَّوْحِيدِ، فَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَذَّبَ بِالْقَدَرِ نَقَضَ تَكْذِيبُهُ تَوْحِيدَهُ". وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِعِلْمِ اللَّهِ الْقَدِيمِ وَمَا أَظْهَرَ مِنْ علمه الذي لا يحاط به وَكِتَابِهِ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ. وَقَدْ ضَلَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ يُنْكِرُ عِلْمَهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ. وَأَمَّا قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ جُمْلَةً، حَيْثُ جَعَلُوهُ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ، فَأَخْرَجُوهَا عَنْ قدرته وخلقه.