غَيْرَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْحَاكِمُ مَعْرُوفٌ تَسَاهُلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَالَّذِي فِيهِ الْقَضَاءُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَبَعْضَهُمْ إِلَى النَّارِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ. وَذَلِكَ شَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ الْمُبْطِلُونَ الْمُبْتَدِعُونَ.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَالنِّزَاعُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلَوْلَا مَا الْتَزَمْتُهُ مِنَ الِاخْتِصَارِ لَبَسَطْتُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَمَا قِيلَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ وَدَلَالَةِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مُشْكِلَةٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهَا، فَنَذْكُرُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ، حَسَبَ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ. فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ بَنِي آدَمَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، [قَالُوا] وَمَعْنَى {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (?)، دَلَّهُمْ عَلَى تَوْحِيدِهِ، لِأَنَّ كُلَّ بَالِغٍ يَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّ لَهُ رَبًّا وَاحِدًا. {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أَيْ: قَالَ، فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (?)، ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَفَّالُ وَأَطْنَبَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْرَجَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ، وَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَا عَلِمَتْ بِهِ مَا خَاطَبَهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.
وَأَقْوَى مَا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي فِيهِ: «قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي». وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: «قَدْ سَأَلْتُكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَيْسَرَ فَلَمْ تَفْعَلْ، فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ». وَلَيْسَ فِيهِ"فِي ظَهْرِ آدَمَ". وَلَيْسَ