عَنْهُمْ تَشْنِيعُهُمْ عَلَيْهِ بِهِ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ عَنْهُ إِثْبَاتَ الْعُلُوِّ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي نَفْيَهُ، وَلَمْ يَرِدْ بِمِثْلِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: إِنَّ فِي ثُبُوتِهِ عَنِ الْإِمَامِ نَظَرًا، وَإِنَّ الْأَوْلَى التَّوَقُّفُ فِي إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ بِمِثْلِهِ خَطَرٌ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ بِمَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ، كَالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَنْ ظَنَّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّهُ إِذَا"نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا"كَمَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَهُ، وَيَكُونُ مَحْصُورًا بَيْنَ طَبَقَتَيْنِ مِنَ الْعَالَمِ. فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ: سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ أَبَا مَنْصُورِ بْنَ حماد - بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ النُّزُولِ - يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ. انْتَهَى.

وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ مَنْ تَوَقَّفَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ، لِضَعْفِ عِلْمِهِ بِمَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ، وَلِذَلِكَ يُنْكِرُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ، بَلْ يَقُولُ: لَا مُبَايِنَ، وَلَا مُحَايِثَ، لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، فَيَصِفُونَهُ بِصِفَةِ الْعَدَمِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَلَا يَصِفُونَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ بِحُلُولِهِ فِي كُلِّ مَوْجُودٍ، وَيَقُولُ: هُوَ وُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَسَيَأْتِي لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى زِيَادَةُ بَيَانٍ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قوله: (والمعراج حق، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة، إلى السماء. ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء، وأوحى إليه

قَوْلُهُ: (وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ، إِلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى).

ش: ((الْمِعْرَاجُ)): مِفْعَالٌ، مِنَ الْعُرُوجِ، أَيِ الْآلَةِ الَّتِي يُعْرَجُ فِيهَا، أَيْ يُصْعَدُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ، لَكِنْ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ هُوَ، وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ غَيْرِهِ مِنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015