وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى أَعْيَانِهِمْ: فَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ قُدَرِهِمْ (?) وَحَاجَاتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ، وَمَا أُمِرَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ سَمَاعِ بَعْضِ الْعِلْمِ أَوْ عَنْ فَهْمِ دَقِيقِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النُّصُوصَ، وَفَهِمَهَا مِنْ عِلْمِ التَّفْصِيلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي الْمُحَدِّثِ وَالْحَاكِمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ ضَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ عَجَزَ فِيهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتَفْرِيطِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُوَصِّلِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ. فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ ضَلُّوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (?).

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ"، قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى من غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015