الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (?). احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (?)؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا أَنَّ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ، كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} (?)، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (?). فَالْآيَتَانِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ.
الْآيَةُ الْأُولَى: فَالْاسْتِدْلَالُ مِنْهَا عَلَى ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِكَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ فِي وَقْتِهِ - أَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَلَمَّا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ نَجَاةَ ابْنِهِ أَنْكَرَ سُؤَالَهُ، وَقَالَ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (?).
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} (?)، وَلَمْ يَقُلْ: إِنِّي لَا أُرَى، أَوْ لَا تَجُوزُ رُؤْيَتِي، أَوْ لَسْتُ بِمَرْئِيٍّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ظَاهِرٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كُمِّهِ حَجَرٌ فَظَنَّهُ رَجُلٌ طَعَامًا فَقَالَ: أَطْعِمْنِيهِ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَعَامًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرْئِيٌّ، وَلَكِنَّ مُوسَى لَا تَحْتَمِلُ قُوَاهُ رُؤْيَتَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى. يُوَضِّحُهُ: