وَالشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ - إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى صَارَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ الْفِعْلُ وَالْكَلَامُ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا، وَأَنَّهُ انْقَلَبَ مِنَ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ! وَعَلَى ابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْفِعْلَ صَارَ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ. وَأَمَّا الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ.

[دَعْوَى الْجَهْمِيَّةِ امْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا]

وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ دَوَامَ الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ مَبْدَأٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةٌ! وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَهُوَ حَادِثٌ، وَالْحَادِثُ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، وَمَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَلَيْسَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَجَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَبْدَأٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا صَحِيحًا، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الرَّبُّ قَادِرًا عَلَيْهِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015