عَلَى خِلَافِ مَا يَعْهَدُهُ حَتَّى فِي صِفَةِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْعَبْدِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَوُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا يَلِيقُ بِهِ، فَوُجُودُهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَوُجُودُ الْمَخْلُوقِ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَمَا سَمَّى بِهِ الرَّبُّ نَفْسَهُ وَسَمَّى بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ، مِثْلَ الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، أَوْ سَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِهِ، كَالْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَسَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِ عِبَادِهِ -: فَنَحْنُ نَعْقِلُ بِقُلُوبِنَا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ، وَنَعْقِلُ أَيْضًا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، وَنَعْقِلُ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُشْتَرَكًا، إِذِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنًا مُخْتَصًّا. فَيَثْبُتُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَلِيقُ بِهِ. بَلْ لَوْ قِيلَ: غَضَبُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ وَغَضَبُ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ -: لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِكَيْفِيَّةِ غَضَبِ الْآدَمِيِّينَ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسُوا مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، حَتَّى تَغْلِيَ دِمَاءُ قُلُوبِهِمْ كَمَا يَغْلِي دَمُ قَلْبِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ غَضَبِهِ. فَغَضَبُ اللَّهِ أَوْلَى.
وَقَدْ نَفَى الْجَهْمُ وَمَنْ وَافَقَهُ كُلَّ مَا وَصَفَ اللَّهَ بِهِ نَفْسَهُ، مِنْ كَلَامِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَحُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَأَسَفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ مَخْلُوقَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَّصِفًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ! !
وَعَارَضَ هَؤُلَاءِ مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ ابْنُ كُلَّابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَقَالُوا: لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَصْلًا، بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ صِفَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، فَلَا يَرْضَى فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا يَغْضَبُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ. كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: إِنَّ