يَا مُحَمَّدُ، «فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَسْلِيطَ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا تَوَلَّوْهُ دُونَ اللَّهِ وَأَشْرَكُوا بِهِ مَعَهُ - عُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَالْإِشْرَاكُ عُقُوبَةَ خُلُوِّ الْقَلْبِ وَفَرَاغِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ. فَإِلْهَامُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ثَمَرَةُ هَذَا الْإِخْلَاصِ وَنَتِيجَتُهُ، وَإِلْهَامُ الْفُجُورِ عُقُوبَةٌ عَلَى خُلُوِّهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِنْ كَانَ هَذَا التَّرْكُ أَمْرًا وُجُودِيًّا عَادَ السُّؤَالُ جَذَعًا، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا عَدَمِيًّا فَكَيْفَ يُعَاقَبُ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ؟
قِيلَ: لَيْسَ هَنَا تَرْكٌ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ وَمَنْعُهَا عَمَّا تُرِيدُهُ وَتُحِبُّهُ، فَهَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَإِنَّمَا هُنَا عَدَمٌ وَخُلُوٌّ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ، وَهَذَا الْعَدَمُ هُوَ مَحْضُ خُلُوِّهَا مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لَهَا، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى الْأَمْرِ