" {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] " تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَتَيْنِ اسْتِثْنَاءُ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُونُوا فِيهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ مُدَّةِ الْخُلُودِ، كَاسْتِثْنَاءِ الْمَوْتَةِ الْأُولَى مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْتِ، فَهَذِهِ مَوْتَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَيَاتِهِمُ الْأَبَدِيَّةِ، وَذَاكَ مُفَارَقَةٌ لِلْجَنَّةِ تَقَدَّمَتْ عَلَى خُلُودِهِمْ فِيهَا.
وَالْأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى أَبَدِيَّةِ الْجَنَّةِ وَدَوَامِهَا كَثِيرِةٌ: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ وَلَا يَبْأَسْ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ» . وَقَوْلِهِ: " يُنَادِي مُنَادٍ: «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا» .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَيُقَالُ: «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» .
وَأَمَّا أَبَدِيَّةُ النَّارِ وَدَوَامُهَا، فَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدَ الْآبَادِ، وَهَذَا قَوْلُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا، ثُمَّ تَنْقَلِبُ طَبِيعَتُهُمْ وَتَبْقَى طَبِيعَةً