فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى هِيَ بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ وَأَرَادَهُ، وَإِرَادَتُهُ وَعِنَايَتُهُ فِي قَلْبِهِ، فَلَا يُعْرَفُ بِاللَّفْظِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ اللَّفْظِ حَتَّى يَعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُرَادَ هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَيُعْنَى بِهِ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعَ اللَّفْظَ مَرَّةً ثَانِيَةً، عَرَفَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِلَا إِشَارَةٍ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا يُحَسُّ بِالْبَاطِنِ، مِثْلِ الْجُوعِ وَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَالْعَطَشِ وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَ ذَلِكَ حَتَّى يَجِدَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا وَجَدَهُ أُشِيرَ لَهُ إِلَيْهِ، وَعُرِّفَ أَنَّ اسْمَهُ كَذَا.
وَالْإِشَارَةُ تَارَةً تَكُونُ إِلَى جُوعِ نَفْسِهِ أَوْ عَطَشِ نَفْسِهِ، مِثْلَ أَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ قَدْ جَاعَ فَيَقُولُ لَهُ: جُعْتَ، أَنْتَ جَائِعٌ، فَيَسْمَعُ اللَّفْظَ وَيَعْلَمُ مَا عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تُعَيِّنُ الْمُرَادَ، مِثْلَ نَظَرِ أُمِّهِ إِلَيْهِ فِي حَالِ جُوعِهِ وَإِدْرَاكِهِ بِنَظَرِهَا أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهَا تَعْنِي جُوعَهُ، أَوْ يَسْمَعُهُمْ يُعَبِّرُونَ بِذَلِكَ عَنْ جُوعِ غَيْرِهِ.
إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْمُخَاطَبُ الْمُتَكَلِّمُ إِذَا أَرَادَ بَيَانَ مَعَانٍ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَدْرَكَهَا الْمُخَاطَبُ الْمُسْتَمِعُ بِإِحْسَاسِهِ وَشُهُودِهِ، أَوْ بِمَعْقُولِهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَّا إِلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ مَعَانِيَ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ وَمَعْنَى التَّرْكِيبِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ - وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8 - 9] (الْبَلَدِ: 8 - 9) ، أَوْ قِيلَ لَهُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] (النَّحْلِ: 78) .