وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَيْثُ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرَفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْمَعْنَى زِيَادَةُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ: وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابًا.
قَوْلُهُ: (وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْأَمَانَةِ، حُبُّ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ) .
ش وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَتَمَامِ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَنِهَايَتَهَا، وَكَمَالَ الذُّلِّ وَنِهَايَتَهُ. فَمَحَبَّةُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَحَبَّةُ الَّتِي لِلَّهِ لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ، فَغَيْرُ اللَّهِ يُحَبُّ فِي اللَّهِ، لَا مَعَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ مَحْبُوبُهُ، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ، وَيَرْضَى لِرِضَائِهِ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَحْبُوبِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَنَحْنُ نُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ.
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَنَحْنُ لَا نُحِبُّهُمْ أَيْضًا، وَنُبْغِضُهُمْ، مُوَافَقَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.