شَيْءٌ وَاحِدٌ هُوَ مُقْتَضٍ تَامٌّ، وَإِنْ سُمِّيَ مُقْتَضِيًا، وَسُمِّيَ سَائِرُ مَا يُعِينُهُ شُرُوطًا - فَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا فَهَذَا بَاطِلٌ.
وَمَنْ عَرَفَ هَذَا حَقَّ الْمَعْرِفَةِ انْفَتَحَ لَهُ بَابُ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْأَلَ غَيْرُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ، وَلَا يُتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى مَا جَاءُوا بِهِ) . ش: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ تَفْصِيلًا، وَقَوْلُهُ: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ - أَيْ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ بِأَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرَ بِبَعْضٍ، بَلْ نُؤْمِنُ بِهِمْ وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ، فَإِنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ، كَافِرٌ بِالْكُلِّ. قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150]
[النِّسَاءِ: 150 - 151] . فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ آمَنَ بِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ - مَوْجُودٌ فِي الَّذِي لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَذَلِكَ الرَّسُولُ الَّذِي آمَنَ بِهِ قَدْ جَاءَ بِتَصْدِيقِ بَقِيَّةِ الْمُرْسَلِينَ، فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ بِبَعْضِ الْمُرْسَلِينَ كَانَ كَافِرًا بِمَنْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّسُولَ قَدْ جَاءَ بِتَصْدِيقِ الْمُرْسَلِينَ كُلِّهِمْ، فَكَانَ كَافِرًا حَقًّا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَكَانَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.