الْإِسْلَامِ وَعِصَابَةُ الْإِيمَانِ، وَهُمْ نُقَّادُ الْأَخْبَارِ، وَصَيَارِفَةُ الْأَحَادِيثِ. فَإِذَا وَقَفَ الْمَرْءُ عَلَى هَذَا مِنْ شَأْنِهِمْ، وَعَرَفَ حَالَهُمْ، وَخَبَرَ صِدْقَهُمْ وَوَرَعَهُمْ وَأَمَانَتَهُمْ -: ظَهَرَ لَهُ الْعِلْمُ فِيمَا نَقَلُوهُ وَرَوَوْهُ.
وَمِنْ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ نَبِيِّهِمْ وَسِيرَتِهِ وَأَخْبَارِهِ، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ بِهِ شُعُورٌ، فَضْلًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمْ أَوْ مَظْنُونًا. كَمَا أَنَّ النُّحَاةَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ وَأَقْوَالِهِمَا مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ مِنْ كَلَامِ بُقْرَاطَ وَجَالِينُوسَ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَكُلُّ ذِي صَنْعَةٍ هُوَ أَخْبَرُ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ سَأَلْتَ الْبَقَّالَ عَنْ أَمْرِ الْعِطْرِ، أَوِ الْعَطَّارَ عَنِ الْبَزِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ! ! لَعُدَّ ذَلِكَ جَهْلًا كَثِيرًا.
وَلَكِنَّ النُّفَاةَ قَدْ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] : مُسْتَنَدًا لَهُمْ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَكُلَّمَا جَاءَهُمْ حَدِيثٌ يُخَالِفُ قَوَاعِدَهُمْ وَآرَاءَهُمْ، وَمَا وَضَعَتْهُ خَوَاطِرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ - رَدُّوهُ بِـ " {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] تَلْبِيسًا مِنْهُمْ وَتَدْلِيسًا عَلَى مَنْ هُوَ أَعْمَى قَلْبًا مِنْهُمْ، وَتَحْرِيفًا لِمَعْنَى الْآيِ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
فَفَهِمُوا مِنْ أَخْبَارِ الصِّفَاتِ مَا لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ، وَلَا فَهِمَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، أَنَّهُ يَقْتَضِي إِثْبَاتُهَا التَّمْثِيلَ بِمَا لِلْمَخْلُوقِينَ! ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ بِـ " {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] تَحْرِيفًا لِلنَّصَّيْنِ! ! وَيُصَنِّفُونَ الْكُتُبَ، وَيَقُولُونَ: هَذَا أُصُولُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَجَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَقْرَءُونَ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيُفَوِّضُونَ مَعْنَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ لِمَعْنَاهُ الَّذِي بَيَّنَهُ الرَّسُولُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعْنَاهُ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ.