وَأَمَّا الطَّعْنُ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ، فَأَيْنَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؟ ! وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وِفَاقِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا الطَّعْنُ مِنْ ثَمَرَةِ شُؤْمِ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَصُّبِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: وَهُنَا أَصْلٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ الْقَوْلَ قِسْمَانِ: قَوْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ، وَقَوْلُ اللِّسَانِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ. وَالْعَمَلُ قِسْمَانِ: عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ نِيَّتُهُ وَإِخْلَاصُهُ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ. فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ زَالَ الْإِيمَانُ بِكَمَالِهِ، وَإِذَا زَالَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ لَمْ يَنْفَعْ بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِهَا وَكَوْنِهَا نَافِعَةً، وَإِذَا بَقِيَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَزَالَ الْبَاقِي فَهَذَا مَوْضِعُ الْمَعْرَكَةِ! !
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْجَوَارِحِ عَدَمُ طَاعَةِ الْقَلْبِ، إِذْ لَوْ أَطَاعَ الْقَلْبُ وَانْقَادَ، لَأَطَاعَتِ الْجَوَارِحُ وَانْقَادَتْ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْقَلْبِ وَانْقِيَادِهِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلطَّاعَةِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» . فَمَنْ صَلَحَ قَلْبُهُ صَلَحَ جَسَدُهُ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ جُزْئِهِ زَوَالُ كُلِّهِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ لَمْ تَبْقَ مُجْتَمِعَةً كَمَا كَانَتْ، فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ بَعْضِهَا زَوَالُ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ، فَيَزُولُ عَنْهُ الْكَمَالُ فَقَطْ.