وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَذَاهِبُ أُخَرُ، بِتَفَاصِيلَ وَقُيُودٍ، أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهَا اخْتِصَارًا، ذَكَرَ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي " تَبْصِرَةِ الْأَدِلَّةِ " وَغَيْرِهِ.

وَحَاصِلُ الْكُلِّ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ دُونَ الْجَوَارِحِ، كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. أَوْ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ. أَوْ بِالْقَلْبِ وَحْدَهُ، وَهُوَ إِمَّا الْمَعْرِفَةُ، كَمَا قَالَهُ الْجَهْمُ، أَوِ التَّصْدِيقُ كَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَفَسَادُ قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ ظَاهِرٌ.

[الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ اخْتِلَافٌ صُورِيٌّ]

وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَئِمَّةِ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ - اخْتِلَافٌ صُورِيٌّ. فَإِنَّ كَوْنَ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ لَازِمَةً لِإِيمَانِ الْقَلْبِ، أَوْ جُزْءًا مِنَ الْإِيمَانِ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ -: نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادُ اعْتِقَادٍ. وَالْقَائِلُونَ بِتَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، ضَمُّوا إِلَى هَذَا الْأَصْلِ أَدِلَّةً أُخْرَى. وَإِلَّا فَقَدَ نَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَنِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ وَالْمُنْتَهِبِ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ زَوَالَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، اتِّفَاقًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015