وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثِنْتَانِ فِي أُمَّتِي هُمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» . وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ، إِذْ لَوْ كَفَرَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ لَكَانَ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَلَا تَجْرِي الْحُدُودُ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ! وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ مَعَ الْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بَاطِلٌ أَيْضًا، إِذْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [الْبَقَرَةِ: 178] إِلَى أَنْ قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةِ: 178] . فَلَمْ يُخْرِجِ الْقَاتِلَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَجَعَلَهُ أَخًا لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَالْمُرَادُ أُخُوَّةُ الدِّينِ بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الْحُجُرَاتِ: 9] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: 10] .