فَجَعَلَ هَذَا الْإِخْبَارَ الْمُجَرَّدَ مِنْهُمْ حُكْمًا وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36] (الْقَلَمِ: 35 - 36) . لَكِنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا إِلْزَامَ مَعَهُ. وَالْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مُتَضَمِّنٌ الْإِلْزَامَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ شَهَادَةٍ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْعِلْمِ بِهَا، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ بِهَا الْحُجَّةُ. بَلْ قَدْ تَضَمَّنَتِ الْبَيَانَ لِلْعِبَادِ وَدَلَالَتَهُمْ وَتَعْرِيفَهُمْ بِمَا شَهِدَ بِهِ، كَمَا أَنَّ الشَّاهِدَ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا بَلْ كَتَمَهَا، لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا أَحَدٌ، وَلَمْ تَقُمْ بِهَا حُجَّةٌ.
وَإِذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إِلَّا بِبَيَانِهَا، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَهَا غَايَةَ الْبَيَانِ بِطُرُقٍ ثَلَاثَةٍ: السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْعَقْلِ.
أَمَّا السَّمْعُ: فَبِسَمْعِ آيَاتِهِ الْمَتْلُوَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِمَا عَرَّفَنَا إِيَّاهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ كُلِّهَا، الْوَحْدَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا غَايَةَ الْبَيَانِ، لَا كَمَا يَزْعُمُهُ الْجَهْمِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمُعَطِّلَةِ بَعْضِ الصِّفَاتِ مِنْ دَعْوَى احْتِمَالَاتٍ تُوقِعُ فِي الْحَيْرَةِ، تُنَافِي الْبَيَانَ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ كِتَابَهُ الْعَزِيزَ وَرَسُولَهُ الْكَرِيمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حم - وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: 1 - 2] (الزُّخْرُفِ: 1 - 2) . {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1] (يُوسُفَ: 1) . {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1] (الْحِجْرِ: 1) . {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138] (آلِ عِمْرَانَ: 138) . {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92] (الْمَائِدَةِ: 92) . {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] (النَّحْلِ: 44) .