وَلَا يُشَبِّهُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ، يَرْوُونَ الْحَدِيثَ وَلَا يَقُولُونَ: كَيْفَ؟ وَإِذَا سُئِلُوا قَالُوا بِالْأَثَرِ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ: وَقَدْ أَعْجَزَ خَلْقَهُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اللَّهَ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُحِيطَ أَحَدٌ بِحَدِّهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ خَلْقِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُمْ مُبَايِنٌ لَهُمْ. سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: بِأَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، قِيلَ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: بِحَدٍّ، انْتَهَى.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَدَّ يُقَالُ عَلَى مَا يَنْفَصِلُ بِهِ الشَّيْءُ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَيْرُ حَالٍّ فِي خَلْقِهِ، وَلَا قَائِمٍ بِهِمْ، بَلْ هُوَ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، الْمُقِيمُ لِمَا سِوَاهُ. فَالْحَدُّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ نَفْيِهِ إِلَّا نَفْيُ وُجُودِ الرَّبِّ وَنَفْيُ حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا الْحَدُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَحُدَّهُ الْعِبَادُ، فَهَذَا مُنْتَفٍ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي