وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَحَبَّةِ وَالْخُلَّةِ هُوَ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، كَسَائِرِ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِالْإِرَادَةِ وَالْوُدِّ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخُلَّةِ، حَسْبَمَا وَرَدَ النَّصُّ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ الْمَحَبَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ، نَحْوَ ثَلَاثِينَ قَوْلًا. وَلَا تُحَدُّ الْمَحَبَّةُ بِحَدٍّ أَوْضَحَ مِنْهَا، فَالْحُدُودُ لَا تَزِيدُهَا إِلَّا خَفَاءً. وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْوَاضِحَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَحْدِيدٍ، كَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ وَالْجُوعِ وَالشِّبَعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بَعْدَهُ فَغَيٌّ وَهَوًى) ش: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، عُلِمَ أَنَّ مَنِ ادَّعَى بَعْدَهُ النُّبُوَّةَ فَهُوَ كَاذِبٌ. وَلَا يُقَالُ: فَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي لِلنُّبُوَّةِ بِالْمُعْجِزَاتِ الْخَارِقَةِ وَالْبَرَاهِينِ الصَّادِقَةِ كَيْفَ يُقَالُ بِتَكْذِيبِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ فَرْضِ الْمُحَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَأْتِيَ مُدَّعٍ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَا يُظْهِرُ إِمَارَةَ كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ. وَالْغَيُّ: ضِدُّ الرَّشَادِ. وَالْهَوَى: عِبَارَةٌ عَنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ. أَيْ: أَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَى بِسَبَبِ هَوَى النَّفْسِ، لَا عَنْ دَلِيلٍ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ وَكَافَّةِ الْوَرَى، بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، وَبِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ) .
ش: أَمَّا كَوْنُهُ مَبْعُوثًا إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْجِنِّ: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31] (الْأَحْقَافِ: 31) ، الْآيَةَ. وَكَذَا