وعَلى الْقَبْر الثَّالِث

(وَكَيف يلد الْعَيْش من هُوَ صائر ... إِلَى جدث تبلي الشَّبَاب مَنَازِله)

(وَيذْهب حسن الْوَجْه من بعد ضوئه ... سَرِيعا ويبلى جِسْمه ومفاصله)

فَنزلت قَرْيَة بِالْقربِ مِنْهَا فَقلت لشيخ بهَا لقد رَأَيْت عجبا قَالَ وَمَا ذَاك قلت رَأَيْت هَذِه الْقُبُور قَالَ حَدِيثهَا أعجب مِمَّا رَأَيْت عَلَيْهَا قلت فَحَدثني قَالَ كَانُوا ثَلَاثَة إخْوَة وَاحِد يصحب السُّلْطَان وَيُؤمر على الجيوش والمدن وَآخر تَاجر مُوسر مُطَاع فِي تِجَارَته وَآخر زاهد قد تخلى وَانْفَرَدَ لعبادة ربه فَحَضَرت الزَّاهِد الْوَفَاة فَأَتَاهُ أَخُوهُ صَاحب السُّلْطَان وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان قد ولاه ببلاده وَأَتَاهُ التَّاجِر فَقَالَا لَهُ توصي بِشَيْء فَقَالَ وَالله مَا لي مَال أوصِي بِهِ وَلَا عَليّ دين أوصِي بِهِ وَلَا أخلف من الدُّنْيَا عرضا وَلَكِن أَعهد إلَيْكُمَا عهدا فَلَا تخالفاه إِذا مت فادفناني على نشز من الأَرْض واكتبا على قَبْرِي وكي يلذ الْعَيْش من هُوَ عَالم الْبَيْتَيْنِ ثمَّ زوروا قَبْرِي ثَلَاثَة أَيَّام لعلكما تتعظان

ففعلا ذَلِك فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أَتَى أَخُوهُ صَاحب السُّلْطَان الْقَبْر فَلَمَّا أَرَادَ الإنصراف سمع من دَاخل الْقَبْر هدة أرعبته وأفزعته فَانْصَرف مذعورا وجلا

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رأى أَخَاهُ فِي الْمَنَام فَقَالَ أَي أخي مَا الَّذِي سَمِعت فِي قبرك قَالَ هدة تِلْكَ المقمعة قيل لي رَأَيْت مَظْلُوما فَلم تنصره فَأصْبح فَدَعَا أَخَاهُ وخاصته فَقَالَ إِنِّي أشهدكم أَنِّي لَا أقيم بَين ظهرانيكم أبدا فَترك الأمارة وَلزِمَ الْعِبَادَة وَكَانَ مَأْوَاه البراري وَالْجِبَال وبطون الأودية فحضرته الْوَفَاة فَحَضَرَ أَخُوهُ فَقَالَ يَا أخي أَلا توصي بِشَيْء قَالَ مَا لي مَال وَلَا عَليّ دين وَلَكِن أَعهد إِلَيْك إِذا أَنا مت فَاجْعَلْ قَبْرِي إِلَى جنب قبر أخي واكتب عَلَيْهِ وَكَيف يلذ الْعَيْش من هُوَ موقن الْبَيْتَيْنِ ثمَّ تعهد قَبْرِي ثَلَاثًا

فَلَمَّا مَاتَ فعل أَخُوهُ ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث من إِتْيَانه الْقَبْر أَرَادَ الإنصراف فَسمع وجبة من الْقَبْر كَادَت تذْهب عقله فَرجع مَرْعُوبًا فَلَمَّا كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015