نفيها من المجتهدين: فإن صاحب هذا الكتاب الجليل لم ينسب هذه المقالة- أعني جواز رفع القباب والمشاهد على قبور الفضلاء- إلا إلى الإمام يحيى وحده. فقد قال ما نصه:
مسألة الإمام يحيى: لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك لاستعمال المسلمين ولم ينكره. انتهى.
فقد عرفت من هذا أنه لم يقل بذلك إلا الإمام يحيى، وعرفت دليله الذي استدل به، وهو استعمال المسلمين مع عدم النكير، ثم ذكر صاحب البحر هذا الدليل الذي استدل به الإمام يحيى في الغيث واقتصر عليه، ولم يأت بغيره.
فإذا عرفت هذا تقرر لك أن هذا الخلاف واقع بين الإمام يحيى وبين سائر العلماء، من الصحابة والتابعين، ومن المتقدمين من أهل البيت والمتأخرين، ومن أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ومن جميع المجتهدين أولهم وآخرهم، ولا يعترض هذا بحكاية من حكى قول الإمام يحيى في مؤلفه، ممن جاء بعده من المؤلفين. فإن مجرد حكاية القول لا يدل على أن الحاكي يختاره ويذهب إليه، فإن وجدت قائلا من بعده من أهل العلم يقول بقوله هذا ويرجحه، فإن كان مجتهدا كان قائلا بما قاله الإمام يحيى ذاهبا إلى ما ذهب إليه بذلك الدليل الذي استدل به، وإن كان غير مجتهد فلا اعتبار بموافقته. لأنها إنما تعتبر أقوال المجتهدين لا أقوال المقلدين، فإذا أردت أن تعرف: هل الحق ما قاله الإمام يحيى، أو ما قاله غيره من أهل العلم. فالواجب عليك رد هذا الاختلاف إلى ما أمرنا الله بالرد إليه. وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.